top of page

بقلم الدكتور عدنان فطاني

٢٥ مايو ٢٠١٦ · 

لا أذكر تحديدًا أين ولدتُ، ولكني أعي جيّدًا أنّ الشّقة الأخيرة في الجهة اليُمنى من بناء ضخم .. احتوت سنواتي الأولى، ذلك البناء الضّخم يقع في أعلى الجهة الغربية بحي شعب علي، أو: شعب بني هاشم، وهو من الأحياء المكيّة التي ضمَّت الخليط المجتمعي المكي. ولكن غلب على هذا الحي الفطانيّون.

كان ذلك البيت عمارةً ضخمة في عُرف تلك الأيّام، تتكوّن من أربعة أدوار .. ذي سلالم فسيحة تُعطي إطلالةً رائعة لمن يقف في كلِّ دور منها، فيرى بكلِّ وضوح من يصعد أو ينزل منها.

أنتَ تذكر ذلك البيت جيِّدًا .. فقد كان والد صديقنا عبد الله كيري يملك بقالةً في واجهته، وكُنَّا دائمًا نسامره فيها.

لم أكتشف أنّي لم أكن مسجلًا في مديرية جوازات العاصمة المقدسة كمقيم له حقّ الإقامة في البلد الحرام، إلَّا وأنا في الصّف الخامس الابتدائي بمدرسة دار العلوم الدّينية، كنتُ أتحلى ببراءة الأطفال وسذاجتها الصّادقة معتقدًا أنّي مواطنٌ لدي كافّة حقوق المواطنة في أرضٍ ولدتُ على ثراها، ولا أعرف أرضًا سواها، ولا أترنّم بغير نشيدها الوطني.

أخرجني يومها وكيل المدرسة الأستاذ حسنين خارج الصّف، وأخبرني في الرّواق أنّ إدارة المدرسة بحاجة إلى نسخة مصورة حديثة من رخصة إقامة والدي، ويجب أن أكون في هذه النسخة الحديثة ضمن المرافقين صحبة والدتي.

بعد ثلاثة أيّام من هذه الحادثة .. وجدتُ نفسي خارج أسوار المدرسة بلا حقٍّ في مقاعدها الدِّراسية؛ لأنّي أقيم في البلد الذي وُلِدتُ فيه بصورة غير نظامية.

اختبرتُ في تلك الأيَّام مشاعر الحرمان من حقِّي الإنساني في التَّعليم دون مرارة ولا غُصَّة؛ لأنِّي لم أكن أعي يومها تلك المشاعر، فقد كنتُ طفلًا في العاشرة من عُمُره.

تسارعت بعدها الأحداث بصورة لم أكن ألتقط فيها أنفاسي جيّدًا، حتى الليلة التي عانقتك فيها عند بيت المغربي.

لحظة العناق تلك يا صديقي .. ما زالت خالدةً بذاكرتي، وكانت تميمتي وأنا في الطّائرة متَّجهًا إلى أرضٍ لم أسمع بها من قبل، قالت لي والدتي: إنّها وطنك يا ولدي !! فصدّقتها.

ولا زلتُ وأنا أقلِّب صفحات ثلاثين عامًا من ذاكرتي .. أشعر أنِّي رحلتُ عن وطني ..

Adnan

bottom of page