top of page

"وداعا طفلتي"

قصة عن حياة الشيخ 

عبدالله بن محمد اسماعيل فطاني

17.jpg

سمعت حفصة عبارة "وداعا طفلتي" على نحو ضعيف بينما كانت في رحم والدتها فاطمة. لقد مرت العديد من السنين عندما فطنت بأن ذلك الصوت يعود لوالدها الغائب، الشيخ عبدالله والذي كان ذاهب لقرية كيرسيك جنوب تايلند. ودع الشيخ عبدالله زوجته وأولاده بوجه جامد كبح دموعه هامسا برقة "ان شاء الله ستكون بخير وليبارك الله هذه الطفلة بالعديد من الأطفال". أستطاع استشعار بأنها ربما تكون نظرته الاخيرة لأفراد أسرته الحبيبة. ولدت حفصة في الرابع من شهر ربيع ألأول عام 1338هـ في 27 نوفمبر 1919م

الشيخ عبدالله الابن الأكبر للشيخ محمد بن اسماعيل فطاني وقد عاش دائما تحت رهن إشارة والده والذي كان دائم الحاجة لمساعد شخصي يدير اعماله. كان والده رجل مهم في مكة ليكون أول ماليزي يعينه الحاكم العربي كقاضي في مكة. لم يكن ليستطيع فعلها بدون مساعد شخصي مقتدر ومخلص كما أنها كانت ثقافة عربية عصرية بالنسبة للابن الأكبر ليكون المساعد الشخصي لوالده، والذي يصرخ على اقل سبب من غرفته الخاصة " عبدالله، عبدالله..." بالترتيل والتجويد العربي الكامل وإن دعاه بـ " دولاه دولاه  "كما نفعل في ثقافتنا الماليزية ذات النغمة اللينة لم تكن لتكون مخيفة جدا بالنسبة للشاب عبدالله  كانت هذه هي القاعدة المقبولة في الثقافة العربية، ما إن تولد الأكبر سنا حتى يسقط العبء كله على عاتقك. أمثال كبار الشخصيات كالشيخ نيء ما كيتشيل, كان يصرخ فقط من مجلسه في الطابق الأول "عبدالله...." و ما من عبدالله الا الظهور أمامه على الفور "لبيك...". الأحلى والأكثر اجابات الطاعة. لم يرى عبدالله أي فائدة من جعل اباه غاضب ينتظر. عبدالله  فهم عبدالله هذا وظل مخلصا لوالده على الرغم من انه أحيانا يحسد شقيقه الأصغر الشيخ محمد, نور والذي كان قادرا على مغادرة المنزل للدراسة في أقدم جامعة في العالم, جامعة الأزهر في القاهرة

عميقا جد بداخل أفكاره الخاصة كان الشيخ عبدالله يمتلك الشغف بخصوص شيء ما ولكن لم يكن من الممكن مناقشة هذا الشيء مع والد. في سنة 1914م عندما قام السلطان زين العابدين من ترنقانوا بأداء فريضة الحج مع 15 عضوا آخر من الوفد المرافق له تم تعيين الشيخ عبدالله من قبل والده ليكون المضيف للسلطان. بعدها زار السلطان مصر وقبل مواصلة الرحلة إلى بيت المقدس (القدس) مرض السلطان واضطر للعودة إلى ترنقانوا.

ولد الشيخ نيء ما كيتشيل عام 1842 في مكان شهير يسمى بوالو دويونج. والان هي معروفة خارج ماليزيا كمكان لسباق القوارب الشراعية الموسمية. وفي تلك الأيام كان هناك رجل مشهور يدعى توك كو يعيش في بوالو دويونج. قد كان معلما للسلطان وعلى عكس العادة حيث يتوقع من المعلم الذهاب إلى الإستانة يوميا لتعليم السلطان الشاب, في هذه الحالة السلطان هو من كان يحضر لأخذ تلك الدروس في منزل توك كو في دويونج. لان تلك كانت الطريقة الصائبة والصحيحة لتلقي المعرفة وفقا للإمام الشافعي. وأيضا , بدى وكأنه كره شعبه بسبب وضعهم لأقدامهم بجانب النهر على تربة كوالا ترنقانوا. نظرا لكونه صديقا مقربا من السلطان فقد حضر عملا واحدا في الأستانة , والتي بخالف ذلك كانت بالنسبة له و لشعبه خارج النطاق لأسباب لا يعرفها سواه.

في الثلاثة أشهر للحج, السلطان زين العابدين الثالث قد كان مولعا بالضيف الشيخ عبدالله  فطاني حيث قدم عرضا للشيخ عبدالله لإعادة عائلته إلى ترنقانوا ووعد بمنحه أرض. كانت هذه الأرض تدعى باليك بوكيت تصل الى حوالي اربع فدادين والتي بقيت حتى يومنا هذا تراثا للشيخ عبدالله.

عندما توفي الشيخ نيء ما كيتشيل في مكة عام 1915هـ عن عمر يناهز73 , كانت اوروبا تواجه الحرب العالمية الأولى, الشيخ عبدالله  الأن رب أسرة يبلغ من العمر 44 عاما وجد نفسه في الخلاء، كان لايزال بإمكانه سماع نداء والده "عبدالله..." كما لو أن والده مازال حيا و بحاجته لكل شيء. ملابس أبيه والوسادة حيث كان يجلس عليها كانت تطارد ذكريات والده الحبيب.

وعلى الجانب الأخر، قد حان الوقت لتحقيق أحلامه و والده لم يعد هنا ليوقفه. على الرغم من اعتراض إخوته الشيخ محمد نور والشيخ داوود والأخت الوحيدة المتبقية خديجة، ألقى عليهم الوداع الأخير ليبحر الى ترنقانوا حيث وعده السلطان بالأرض.

 مكة المكرمة كانت قريبة جدا من منطقة الحرب على الرغم من أن الحرب العالمية الأولى قد انتهت للتو كان بإمكانه أن يشعر بأن الحرب العالمية الثانية قادمة.

وكونه شخص متحفظ كان لدى الشيخ عبدالله مخططات أخرى بالفعل حيث ولاية ترنقانوا لم تكن له لكنها كانت ملاذا أمنا لعائلته. في عام 1919م أبحر الشاب عبدالله الى ترنقانوا مع زوجته سيتي فاطمة بنت عبدالرحمان (والتي حقيقت ولدت في لوسونج ترنقانوا لكنها نشأت في مكة المكرمة. قد يكون هذا العامل هو الذي أقنع الشيخ عبدالله بإعادة عائلته إلى ترنقانوا. والاطفال الذين ولدوا جميعا في مكة كالشيخ يحيى ) , 8 سنوات) ، أسيآ (6 سنوات) , محمد كامل (5 سنوات), ميمونة (4 سنوات). سيتي فاطمة كانت حامل بأصغر أطفالها حفصة في ذلك الوقت.

تلقى الشيخ عبدالله  تعليمه على يد والده المعلم الذي تلقى علمه من الشيخ داوود فطاني, عمه الكبير. ونحن في غنى عن القول بأنه أضطر الى الجلوس في كل حصة  كعادة أجراها والده. على الرغم من أن كتابات الشيخ نيء ما كيتشيل كان من بينها ’مطلع البدرين’ وكانت في موضوع الفقه، المسائل الحالية الأخرى التي تنطوي على نضال المسلمين في فطاني وكانت تناقش. كان قد سمع عدة مرات أن بعض علماء مكة المشهورين كانوا محظوظين لأنهم نجوا من الاعدام على يد ملك سيام. وقد سمع عن مسجد كامبونج كيريسك غير المكتمل في فطاني وعن أقارب والده الذين ما زالوا على قيد الحياة ولكنهم يعيشون في خوف وفقر مدقع، وكان قد سمع عن الحاج سولونج من فطاني والذي ’ اختفى’. لا أحد يعرف حقيقة ما يحدث في رأسه في ذلك الوقت لأنه لم يتحدث ولا حتى لزوجته سيتي فاطمة.

. بعدما استقرت عائلته على الأرض الموعودة في ’باليك بوكيت’, لم يضيع المزيد من الوقت في الاعلان لزوجته أنه سيتوجه إلى فطاني، لم يستطع انتظار ولادة ابنته الصغرى. لم تكن سيتي ولا حتى أولاده الصغار يمتلكون الشجاعة الكافية لطرح أكثر الأسئلة جوهرية "لماذا؟" ولا حتى تجرأوا على البكاء أمامه. بعد كل الحياة الصارمة التي ترعرع فيها جعلته يبدو بلا قلب. ربما على الرحلة الى فطاني، عندما كان الأخرون نيام، كان يبكي قلبه بلا خجل لأن فطاني لم تكن مكانا أمن, كان هنالك احتمال أنه قد لا يرى أي من أفراد أسرته مرة أخرى إلى الأبد. لقد فعل هذا على الأرجح لتحقيق رغبته في الا يختبر ابنه يحيى ما مر به وهو الاعتماد الزائد بين الأب والأبن.

وبعد ثلاثة أشهر من رحيله تلقت سيتي فاطمة الأنباء المحزنة بأنه مريضا في فطاني. على الرغم أنها في ذلك الوقت كانت في شهرها السادس من الحمل, جمعت سيتي جميع اطفال على عجل و استفسرت عن أقرب قارب من الممكن المغادرة الى فطاني. في تلك الليلة أبحروا الى فطاني على أمل أن يكونوا مع الأب الذي فقدوه لعدة أشهر. على الأرجح أن سيتي اعتقدت انها ولربما يمكنها أن تقنعه بالعودة الى باليك بوكيت معهم الى الأبد.

استغرقت السفينة يومين للوصول الى ميناء فطاني، كان الليل قد حل عندما أعلنت صافرات السفينة دخولهم للميناء. بالرجوع الى الغرفة المستأجرة من قبل الشيخ عبدالله والذي كان محاط بالعديد من الأصدقاء المقربين وأبناء أعمامه من جانب والده. كان المشهد فوضويا حيث لاحظ أصدقاؤه وأبناءه حاله عبدالله المتدهورة والخوف من أن الوقت لم يكن بجانبه. عند سماع صوت صافرة السفينة، تمكن عبدالله من وضع ابتسامة على شفتيه وقال بهدوء "الله أكبر، لقد دخلت السفينة الميناء، عائلتي بالفعل هنا". ولكن قبل أن يتمكن أفراد عائلته من الوصول الى المنزل كان قد أصبح في رحمة الله أمنا بالفعل. سبحان الله، الله وحده يعلم أن أفضل ترتيب هو أن عبدالله واحبائه لن يروا بعضهم مرة اخرى على الرغم من انه لا يفصل بينهم سوى عدة ساعات. إنا لله وإنا إليه راجعون.

النزول من السفينة بأربع صغار مع امتعة لتحملها لم تكن النهاية لما تقاسيه الأم الحامل اليافعة. وفقأ للخالة ميمونة، يجب عليهم المشي لمسافة ميلين في الظلام الى المكان الذي كان والدهم ينتظرهم فيه. عندما وصلوا، استقبلتهم الصيحات والعويل إشارة الى أن الوقت قد تأخر قليلا. كان في 21من شهر أغسطس، عام 1919م ,تركهم عن عمر يناهز 48 عاما فقط حيث عاش الشيخ عبدالله  الفطاني في مكة المكرمة طوال حياته لكنه عاد أخيرا إلى أرض اجداده ليتم وضعه في مكان راحته النهائي، أرض المسجد الغير مكتمل كامبونج كيريسك بجوار قبر العالم المشهور عبدالصمد فطاني.

بقيت العائلة في فطاني حتى أنجبت سيتي حفصة ابنتها الأخيرة. كان لديها بعض الوقت للتفكير فيما يجب القيام به وبمستقبل الأسرة. ثم كان لديها خيار البقاء في كامبونج كيريسك فطاني مما سيرضي أبناء عم زوجها وأعمامهم وعماتهم. أو يمكنها العودة الى باليك بوكيت ترنقانوا حيث سيكون أقرباؤها في لوسونغ وبوالو مسانغ متاحين لمساعدتها. لكنها لم تعلم بأن في ذلك الوقت الشيخ في مكة سيتخذ جميع القرارات عنها.

قصة كتبها فؤاد محمد كامل , رواها وان يوسف وان عثمان على لسان والدته حفصة

ترجمة:  روان اكرم خياط في 1441/6/9هـ.

bottom of page