برحة الخردفوشي
البيت الكبير
اعداد: كامل محمود فطاني
لقد وفقني الله ان اكتب عن سيرة حياة شخصيات من ذرية محمد بن إسماعيل فطاني من الجيل الأول والثاني والثالث والذين ولدوا وتربوا وعاشوا في البيت الكبير في زقاق الخردفوشي هم وازواجهم واولادهم وربما احفادهم لأكثر من ستين عاما شملهم البيت الكبير بأقسامه الثلاثة عبر تاريخ انشاءه كما استضافت واستقبلت حجاجهم من ضيوف الرحمن ومن الأقارب الماليزيين واقاموا فيه خلال أيام الحج وكانت تقام في البيت الكبير المبارك حفلات الزواج والاعياد، فما هو زقاق الخردفوشي وما سره للأجيال التي عاشت فيه ثم تفرقت بعد إزالة هذا الموقع.
زقاق الخردفوشي: هو عبارة عن مجموعة منازل تحلقوا حول موقع واحد في حارة القشاشية بمكة المكرمة يضم الزقاق عشرة بيوت على الطراز القديم المبني من الحجر وتتكون مبانيه من دورين الى خمس أدوار وتجمع هذه البيوت ساحة تطل ابواب البيوت عليها ويبدأ هذا الزقاق بمدخل عرضه لا يتجاوز أربعة أمتار
يبدأ من شارع القشاشية العام للقادم من شرق مكة متجها الى الحرم الشريف. بينما يبدأ الزقاق من يمين الداخل ببيت اشتراها صاحبها خرابة قديمة وكانت منزلا على الشارع العام للقشاشية وتحته عددا من الدكاكين الصغيرة المتهالكة حتى أصبح غير قابل للسكن وعن يسار الداخل للزقاق بيت الخزندار الكبير يرتفع لأكثر من أربعة أدوار وهو عبارة عن عدة بيوت متلاصقة يسكن اولاها المطل على زقاق الخردفوشي عائلة الشيخ محمد علي خزندار ثم بقية البيت يطل على شارع القشاشية ثم لبيت الكبير الثاني على شارع القشاشية وانت متجه الى الحرم تكون هذه البيوت على يمينك متتابعة وتحت كل بيت عدد من الدكاكين الصغيرة المساحة.
لماذا سمي بزقاق الخردفوشي: سألت عدة مرات عن سر اسمه؟ ومن هو الخردفوشي؟ وعلمت من كبار سكان هذا الزقاق ان هذا المكان كان يسكنه موظف كبير في عهد الاشراف وله سمعة اجتماعية كبيرة، وسمي الزقاق باسمه. وهذا الزقاق يبعد عشـرات الامتار عن الحرم المكي ومركز سوق الحي، ولتصل الى الحرم تحتاج الى خمس دقائق تجتاز في مشوارك عدة ازقة حتى تصل الى دكاكين السوق الكبير للحارة ويحتوي السوق على سوق اللحوم (الجزارين) والخضار والفواكه والسمك وفي واجهة الشارع دكاكين مؤجرة على عدة مهن ومنها والمكتبات وينتهي السوق الى المسعى وعلى طرفه باب السلام وباب علي وباب المدرسة وباب اجياد.
عودا الى زقاق الخردفوشي: يبدأ من بعد الخرابة على يمينك بيت عبدالمجيد تسكنه عائلة من اصل فلسطيني وسوري يعملون بالتجارة ثم اشتراه الشيخ (أيوب قدح) ثم اذا اجتزت باب هذا البيت تلمح على مستوى نظرك السقيفة وهي سكن يغطي المدخل للزقاق ربما عرضه عرض الزقاق وطوله طول الزقاق خمسة امتار ويمتد حتى يصل الى ساحة ترابية حيث تكون على يمناك مدخل بيت عبدالكريم حنفي (أستاذ من اصل مصري) وفي ركن الزقاق بيت العم جميل سـجيني واجهته على الزقاق قد لا تزيد عن خمسة امتار ولكن في مدخله دهليز طويل يزيد على قرابة ستة امتار ومنه يكون درج البيت، ويسكنه العم جميل سجيني وعائلته، يعمل العم جميل محامي في البلدية. ويمتلأ مجلسه من بعد العصـر بشخصيات لهم وضعهم الوظيفي والاجتماعي وأحيانا ببعض معارفه وسكان الحي والذين لهم معاملات في البلدية. ثم نأتي للبيت المجاور وهو اكبر من بيت العم جميل حيث واجهته أوسع وهو مكون من دورين فقط يسكنه حسن حبحب وهو رجل محدود الدخل ومتواضع لا يهتم بمظهره كثيرا وأولاده امين وسعيد وبكر ومنصور وابنة وحيدة، ويعمل في مكتبة لبيع الكتب والدفاتر والأدوات المدرسية ودكانه على شارع القشاشية العام وهو يديره ويداوم فيه من الصباح ولا يعود الى البيت الا للغداء والراحة ثم يستمر في المكتبة حتى وقت متأخر من المساء (الساعة العاشرة مساءا) وكنا نرى هذا الموعد موغل في السهر حيث يسود الهدوء الزقاق وشارع القشاشية بأكمله ولا يؤنس زقاق الخردفوشي الا اتاريك البلدية في مدخل الزقاق ووسط البرحة وصفارة العسة في اخر الليل.
وإذا غادرنا بيت حسن حبحب (بيت وقف عبد القادر فطاني) يأتي بعد ذلك البيت الكبير لآل الفطاني اشتراه الشيخ داود بن ادريس الفطاني، وكان ميسور الحال يستثمر امواله بشراء الاراضي البيضاء والمنازل ومن ضمنها هذه الارض التي تقع في برحة الخردفوشي بالقشاشية بمكة وقد وهب الأرض لابن أخته الشيخ محمد بن اسماعيل فطاني فقام الشيخ ببنائها عمارة (عزلة) من خمس أدوار وخارجة واوقفها على ابنائه واحفاده من بعدهم ذريته وكان يسمي ببيت القشاشية وقد ولد في البيت الكبير وعاش فيها ابنائه واحفاده من بعده خمسة اجيال. وسكن فيها أكثر من ستة عوائل وتقام فيه حفلات الزفاف والولائم ومراسم العزاء و موافينهم من الضيوف وكان فيها مكتبة لبيع وتوزيع الكتب الدينية من مؤلفات الشيخ داود عبدالله فطاني ومحمد بن إسماعيل فطاني ومكتب لإدارة الطوافة ودهليز طويل وبه فسحة يجتمع فيه الاقرباء والاصحاب من بعد صلاة العصر ويتميز باب البيت بارتفاع قدره ثلاث امتار ويتكون من درفتين ويعتبر اعلى بيت في الزقاق مساحة الواجهة 7-8 م وفي الداخل يزيد عن 20 متر وسنأتي بالحديث بالتفصيل عن الموقع لهذا البيت الكبير الذي تربى فيه الأجيال الأولى لآل الفطاني لعشرات السنين، وفي اول ايام عيد الفطر لعام 1404هـ. تعالت الصيحات تعلن عن وجود حريق هائل كبير بمستودعات للتخزين لمحل العاب بجوار البيت والسنة اللهب باتت تعلوا حتى أتت على البيت الكبير لآل الفطاني معلنة نهاية حقبة في تاريخ ال محمد بن إسماعيل فطاني، واذا خرجنا من البيت الكبير تكون هناك فتحة لا تزيد عن مترين ندخل منها الى مدخل البيت الصغير لآل الفطاني المكون من أربعة أدوار وسطوح وخارجة ثم تأتي خرابة بيت الخزندار بعد فتحة البيت الصغير وهي تابعة لبيت الخزندار ثم عمرت أربعة أدوار وسكنها عبدالله خزندار وواجهته ربما تكون أوسع من واجهات كل البيوت ربما تزيد واجهته عن خمسة عشر مترا، ثم يأتي بيت حبحب ويسكنه العم صالح حبحب وعائلتيهما في الدور الأول والاعلى وواجهته لا تزيد عن ثلاث أمتار حيث مدخل الدار وبقية مساحته اتخذت مدخل للزقاق ليبني سقيفة على مدخل الزقاق عبارة عن غرفة كبيرة للدار واولاده غازي ولد صالح حبحب وفيصل ولد محمد ولكل منهما بنات.
زقاق الخردفوشي يحتوي على ساحة ترابية تتوسط الزقاق ومساحتها ربما 8 متر طول، 10 متر عرض وكانت تبدوا لنا كبيرة وواسعة كأطفال حيث يمارس الأطفال فيها لعبة كرة القدم من بعد العصر ويلعبوا مختلف الألعاب ومن أهمها لعبة الباراجون وهي لعبة ادخال الربس في الحفرات الثلاث متتالية ولعبة البكرات لضرب بكرة الخصم لابعادها واخراجها عن الخط المحاصر لها وتسمى لعبة الكبوش او المكر و أيضا لعبة البربر ولعبة زغزغني وشرعت والكبت ولعبة الكوكية وهي لعبة شبيه بلعبة (طاق طاق طاقية)، وسباق الجري واركب ماشي وكلها العاب تعلم المهارة والانتباه والتنافس والمشاجرة بين الأطفال والكبار للمنافسة على مواقع اللعب والمشاركة في لعبة كرة القدم وقد تحصل خلالها الكثير من المضاربات وفي الصباح تقام بسطات لبيع البليلة والحلويات والتفاح الأحمر والكربوا، ويمارس الأطفال دفع العجلة الحديدية ( الجنط) للتوازن وعمل السباقات منها. ، وتخرج البنات الصغيرات ليمارسن لعبة البربر والقفز على الحبل، اما في رمضان فتقتصر امسيات اللعب في الزقاق على زغزغني والكبت ولعبة طرة وزرة وغيرها من العاب المنافسة، وفي المساء تقام بسطات لبيع البليلة والحلويات والتفاح الأحمر والكربوا، وكأن ما زقاق الخردفوشي مركز تربية لنشأة الأطفال ورفع قدرتهم للدفاع عن النفس وغيرها من الأهداف الاجتماعية.
رحم الله زقاق الخردفوشي وكم تعلمنا منه العلاقات الاجتماعية حيث كان سكان الزقاق من الشباب المراهقين يجتمعون على دكة التنابلة وهي عبارة عن دكة خشبية عند فسحة بيت الخذندار ومساحتها اقل من مترين في متر عمق وتقع في واجهة الزقاق المطل على شارع القشاشية العام ويجتمع فيها الشباب على الدكة في بعض الأحيان يصل عددهم الى سبعة اشخاص او أكثر تبدء الجلسة بسوالف الشباب واخبارهم وتعليقاتهم على المشاة فيما بينهم ويتبادلون اخبار الدراسة والعمل والعلاقات العائلية والمستقبل وينتهي اللقاء بالرد على سلام المارة من المشاة وهم ذاهبون الى الحرم ودخول وقت الصلاة.
اهم العاب زقاق الخردفوشي: - البراجون وهي قطعة من حجارة القرموط الأصفر او الأسود تعد كوره متوازنة بقدر ملكة اليد وترمى باليد اليمنى بطريقة معينة لتصل كورة البراجون لتدخل في الحفرة الأولى من مجموعة ثلاث حفر وتعد حالات دخول البراجون لكل حفرة برقم حتى يغطي اللاعب ادخال البراجون الحفر الثلاث أحد عشر مرة ويلعبها اثنين من المتنافسين ومن يسبق ادخال البراجون الاحد عشر يكون هو الفائز وجائزته انه يحق له رقم أي ضرب أي لاعب الاخر ثلاث ضربات قوية بال براجون وكثير ما تكون مؤلمة للمضروب وتسر الضارب.
مع تحيات كامل محمود فطاني 2 الحجة 1444هـ